السبت، 19 ديسمبر 2015

في الخريف ..


ما عدت أفقه فنون الركض .. أنهكتني سنواتي الثلاثين .. حل خريف العمر وبدأت أوراق الشجر في التساقط تلك التي كانت حتى القريب تعنى الكثير من الأمل.. السعادة.. والبهجة. بدت بلا أحلام ولم أعد أجد لي من الأمال ما يستحق.  

ذلك الخريف الذي يفترض أن تُجدد الأشجار نفسها فتسقط ورقا لتنبت ثمرا .. أن نزرع لنجنى الثمارولوبعد حين أو ربما نزرع ليقطف الآخرون.. أن نطوى صفحات من العمر من الصيف الساخن لنلتحف دفء شمسه .. أن تنعشنا زخات المطر و نسمات الهواء الباردة بعد كر وفر..

ذلك الخريف الذي يفترض فيه أننا قد وصلنا لمرحلة من النضج فى العمر ..  ويقين أن لا يقين نكفر ونؤمن بأشياء عدة جلها لا قيمة لها .. نقترب من البحر لا لنلامس ماءه بل لننظر منه لعالم واسع تتخبط أمواجه أمامنا تبدأ عالية كجدار عازل وما تلبث أن تتحول إلى زبد ككل الأحلام و الهموم.

في الخريف نخزن جزءا من دفء لا يزال عالقا منذ الصيف قبل أن يحل الشتاء فنعدو بحثا عنه.. تعود بعض الطيور المهاجرة وترحل أخرى.. بعضها يبحث عن دفء مؤقت والآخر عن بيت يبدأ فى بنائه بحثاً عن استقرار وأمان ودفء.

حين يحل خريف العمر يفترض أن نبدأ في تفريغ مخزون تجارب تراكمت طبقة تلو الأخرى على مر كثير من الفصول المتعاقبة.. أن ننثر رحيق المخزون فينتشى الكثيرون ممن لا يزالون يتخبطون فى «ربيع العمر» ممن يبحثون عن تجربة خريف تمسك بيدهم لتدلهم الطريق.. ليس كل ذاك المهمل فى زاوية من الذاكرة سوى خزينة ثرية بتجارب متعاقبة يعود لها كثيرون لضحكة هنا وفرحة هناك .. أبحث عن هذا الرحيق وأفتش في الذاكرة بحثا عن طريق فلا أجد مخزون لأنثره لا أجد سوى سراب.

 الخريف هو من يعيد للطبيعة مجراها فى زمن الحجر على العقل والفكر والجسد وانفعالات الأيام الأولى من رعشة تصيب القلب فما تلبث أن تنشر عدواها على كل الجسد فتنتقل من شريان إلى آخر حتى تصل الأطراف المثلجة إما بفعل الخريف القادم توا وإما بفعل النظرة الناطقة بحكايات تبدأ من ألف ليلة وليلة ولا تنتهى بليل الخريف الطويل.

الخريف هو اللغز يقول جزء من الأحجية وعلينا التفكير والتدبير فى خواتمها.. هو وليد الصيف الطويل على شواطئنا الممتدة على ضفاف الجسد المتعب .. الخريف هو نهاية الاغتسال بملح البحر وبداية طقوس الاغتسال بمياه السماء.