حالة من الرمادية والفوضى
تعم مصر يجتمع فيها متناقضين و أكثر أهمهما الخوف والأمل، الجميع يدعِي مقدرته على
تقنين الفوضى وحل المتناقضات، ولكن السؤال الأصعب سؤال المرحلة وكل مرحلة مصر إلى
أين ؟!!
جدير بالتأمل أنه منذ عهد
عبدالناصر حتى السيسي الحكم في مصر حكم أتوقراطي بشكل أوبآخر المقصود بالأتوقراطية
هي القيادة الإستبدادية المتمركزة حول شخص واحد المستبد العادل العنيد المتشدد،
فهو شخص يتظاهر بالتمسك بالنظم والقواعد والقوانين لتعظيم نفوذه و سلطانه،
كما أنه غالبا ما يتسم بغياب الرؤية السياسية والفكر الإبداعي مما يؤدي بطبيعة
الحال إلى غياب العدالة الإجتماعية والديمقراطية والعجر عن الإصلاح حتى لو أراد، فالديمقراطية من منظورهم ليست غاية إنما هي وسيلة للوصول للسلطة والسيطرة عليها ومن ثم التشبث بالحكم للمحافظة على مكتسباتهم و خوفا من تبدد امتيازاتهم.
فمنذ عهد عبدالناصر حتى
العهد الحالي عمد جميع من حكم مصر إلى زيادة سطوة مؤسسة الرئاسة وتعميق المركزية
وإقصاء أي مراكز للقوى قد تنافس في أي وقت، فإقصاء مراكز القوى في الحقيقة يتلخص
بشكل أو بآخر في التخلص من كافة أشكال الإنتماءات السياسية في أجهزة الدولة وضمان
ولائها لمكتب الرئيس فقط لا غير، فمنذ قيام الحزب الوطني الديمقراطي كان هدفه
الرئيسي احتواء النخب من الطبقات الوسطى والرأسماليين. مما أدى بتلك النخب إلى أن
تعيش في ظلَ مكتب الرئاسة المصرية بما يضمن لها مناصب شتى مقابل الولاء التام،
وعلى الرغم من ذلك فالولاء ليس ضمانة فسطوع نجم أي من رجال الدولة كفيل بإزاحته
وركله إلى الخارج.
نظراً إلى المركزية التي
يتميز بها النظام السياسي المصري والقوة الكبيرة لمنصب الرئيس كان الأسلوب الأمثل
هو الإحتواء، فاحتواء النخب المصرية والسماح لهم بالعبور للمجال السياسي بمقدار
محدد كان هدف لزعماء مصر. ففي الواقع لم يكن مهما للحصول على منصب في الحزب الحاكم
أن يحمل العضو أيديولوجية معينة، فقد حدث أن ضم مبارك مرشحين مستقلين بعد فوزهم
بانتخابات البرلمان للحزب الحاكم، كما تم تأسيس عدد من المؤسسات والمجالس التي
كانت وظيفتها احتواء النخبة من من لا تلائمهم المنافسة على البرلمان سيء السمعة
كمجلس حقوق الإنسان والقومي للمرأة والمجلس الأعلى للسياسات وهو مجلس تابع للحزب
الحاكم وأعضاءه يصبحون بشكل أو بآخر أعضاء في الحزب الحاكم أي أنه احتواء مؤسسة
داخل مؤسسة أخرى، هذه العملية في الأساس كانت تهدف إلى احتواء النشطاء في مجال
حقوق الإنسان والمثقفين الذين قد يشكلون مصدر إزعاج للرئيس وحاشيته عبر السماح لهم
بالمشاركة في المجال السياسي داخل النظام نفسه. يتضح أن سياسية الإحتواء هي
السياسية المتبعة في النظام المصري وضم النخبة المجتمعية إليها من دون أن يكون
لهذه النخب أي قوة حقيقية أو نفوذ سياسي، كانوا يعيشون وهم ممارسة النقد السياسي.
النموذج المصري متمثلا في الإحتواء يعني في النهاية بالسماح لهامش نقد بعض مؤسسات الدولة والتفاعل مع النقد في بعض الأحيان بإجراء تعديلات تمس شخصيات مهمة في الدولة، فبنية النظام الأتوقراطي المصري أقرب لوعاء يستخدمه مكتب الرئيس لاحتواء معارضيه وتوزيع منافع رمزية عليهم، ولكن من المفيد ذكر أن تعاقب وتوالي الاحتقانات في مصر يؤدي إلى انفجار كبير وإلى تقويض نظام الإحتواء وتمرد قطاع كبير من النخب السياسية على مؤسسات النظام يبدأ عادة بالمقاطعة وينتهي بالإستعداء ومن ثم الاختيار بين النفي أو القتل أو الخلع أو العزل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق